برهان قرآني عظيم في إبطال الشرك بالأنبياء والصالحين، لا يفوتنك داعيةَ التوحيد
من عظيم فضل الله على عباده أن جعل براهين أصل دينه لما كانوا إليه أحوج؛
أكثر عدداً وأظهر دلالة وأبين حجة، ومن أعظم أدلة توحيد العبادة وإبطال
الشرك بالأنبياء والصالحين - وهم أعظم من تنصرف إليهم قلوب ضعاف التوحيد
بالغلو الموصل إلى الشرك بهم -:
الاستدلال بحال أفضل الخلق وهم رسل الله وملائكته مع ربهم و في أنفسهم،
فإذا بطل الشرك فيهم؛ فبطلانه فيمن هو دونهم أوضح بطلاناً، وهذا البرهان
الباهر؛ كلام أهل العلم في التنبيه عليه منثور في مصنفاتهم في توحيد
الألوهية وفي تفسير كتاب الله، وقد ضمّن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب
رحمه الله في كتاب التوحيد ثلاثة أبواب تنبه على هذا الدليل، وهي:
باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً.
باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا
مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.
باب قوله الله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ.
وقد اجتهدت في جمع أكبر قدر من نصوص الكتاب و صحيح السنة التي تقرره
وتبينه، وظهر لي أنها تنتظم في ثلاثة وجوه، وقد قدمت النصوص المتعلقة
بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل وجه منها:
الوجه الأول: بيان أنهم لا يملكون شيئاً الإ ما أعطاهم الله.
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ) قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا
اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا
بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا
عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ
شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ
اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ
(مِنْ مَالِي) لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. رواه
البخاري(2753).
وعن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من
حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن
أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت. رواه مسلم (976).
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ
إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا
بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً
حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ
لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن
شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ) (الممتحنة: 4) .
وقال عن يعقوب عليه السلام: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن
بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي
عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف: 67 ).
وقال: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ
وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا
صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم: 10).
وقال تعالى عن ملائكته عليهم السلام: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي
السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن
يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى) (النجم: 26).
الوجه الثاني: بيان أنهم لا يقدرون على شيء الإ ما أقدرهم عليه الله، فكيف
يقصدون في الشفاعة بعد موتهم أو في هداية القلوب ومغفرة الذنوب وتفريج
الكروب والإجارة من النار.
قال الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص: 56).
وقال: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران: 128).
وقال: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن
تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ
الْمُبِينُ) (النور: 54).
وقال: (وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ
يَنبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ
الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ
عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن
نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً) (الإسراء:90
-93).
وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ
إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً) (الجن:20- 21).
وقال عن رسله عليهم السلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ
وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن
يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (الرعد:
38).
الوجه الثالث: بيان ضعفهم وخشيتهم وكمال إفتقارهم إلى الله نفعاً ودفعاً؛
فلأن لا يدفعوا عن غيرهم ضراً أو عذاباً أو أن لا يشفعوا عند الله ابتداءً
أولى وأحرى.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ
لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ
ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا
نَصِيراً) (الإسراء: 75-74 ).
وقال آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي
نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ
الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ
أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 188).
وقال: (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ
اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ:
50).
وقال: (قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الأنعام: 15).
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُسِرَتْ
رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِى رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ
الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ
وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ». فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عز وجل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ). متفق عليه واللفظ
لمسلم.
وعَنْ ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ
الْفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا
بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى
قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ). رواه البخاري (4069).
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ
رَجُلَانِ مِنْكُمْ فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَجَلْ. متفق عليه
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ
حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ،
مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ قَالَ: إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا
الْبَلاَءُ ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الأَجْرُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ،
أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ، قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : ثُمَّ الصَّالِحُونَ. رواه ابن
ماجه(4024) وأحمد(11893).
وقال الله تعالى عن صالح عليه السلام: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن
كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن
يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ
تَخْسِيرٍ) (هود: 63).
وقال عن ملائكته عليهم السلام: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا
لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا
قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (سبأ: 23
).
وقال: (وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ
نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 29).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- : « إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْىِ سَمِعَ أَهْلُ
السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا
فَيُصْعَقُونَ فَلاَ يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ
حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ». قَالَ: «
فَيَقُولُونَ : يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ فَيَقُولُ : الْحَقَّ
فَيَقُولُونَ : الْحَقَّ الْحَقَّ ». رواه أبو داود (4740).
وعن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: مررت ليلة أسري بي بالملأ
الأعلى وجبريل كالحلس البالي من خشية الله عز و جل. رواه الطبراني في
الأوسط(4679) وابن أبي عاصم في "السنة"(621).
وقد بين الله حال الصالحين من المعبودين مع ربهم فقال: (أُولَـئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الإسراء: 57).
والحمد لله رب العالمين. [/B]